إحياء العلاقات التركية الأمريكية- أولويات ترامب، سوريا، وغزة في الميزان

المؤلف: كمال أوزتورك09.03.2025
إحياء العلاقات التركية الأمريكية- أولويات ترامب، سوريا، وغزة في الميزان

قبل المحادثة الهاتفية المرتقبة، استعرض الزعيمان قائمة زاخرة بالموضوعات الهامة التي ستطرح للنقاش. وكما جرت العادة، تقوم مكاتب الرؤساء بإعداد هذه القوائم بعناية فائقة، مع ترتيب بنودها وفقًا لأولويتها القصوى، وتقديمها تحت عنوان "ملاحظات الاجتماع". بالإضافة إلى ذلك، تُضاف مجموعة أخرى من الموضوعات تحت عنوان "في حال توفّر الوقت"، ليتم التطرّق إليها إذا سمح الوقت بذلك بعد الانتهاء من القضايا الأكثر إلحاحًا.

في الغالب، يتم إبلاغ الطرف الآخر مسبقًا بالمواضيع الحاسمة التي سيتم تناولها، وذلك من خلال رسالة دبلوماسية موجزة، مفادها: "إنّ رئيسنا يعتزم طرح هذا الموضوع تحديدا بهدف التوصل إلى حل توافقي"، مما يتيح إعداد ردود مفصلة وتحضيرات دقيقة داخل المكتب المقابل.

أولويات الزعيمين

من المنطقي والطبيعي أن تتباين وتختلف الأجندة الأميركية عن نظيرتها التركية، ولكن مع ذلك، توجد نقاط التقاء جوهرية ومصالح مشتركة تجمع بين البلدين. وعلى رأس قائمة الأولويات لكلا الزعيمين يبرز هدف أساسي وهو إحياء العلاقات التركية-الأميركية وتعزيزها وتنميتها. فقد شهدت العلاقات خلال فترة حكم بايدن توترًا وبرودًا ملحوظًا، ولم يتم عقد أي لقاء مباشر بين الزعيمين بايدن وأردوغان. بالإضافة إلى ذلك، اتخذت إدارة بايدن سلسلة من القرارات التي تعارضها تركيا بشدة، مما أدى إلى تفاقم العلاقات وتدهورها بشكل ملحوظ.

ومنذ توليه مقاليد السلطة، لم ينفك ترامب عن الإشادة بأردوغان علنًا، مؤكدًا في كل مناسبة على أهمية تركيا ودورها المحوري في المنطقة. وفي المقابل، يتبادل الطرفان خطوات متبادلة ومجاملات ودية بهدف إصلاح العلاقات الثنائية وتجاوز الخلافات السابقة.

سفير صديق لتركيا

في خضم المكالمة الهاتفية التي جمعت بين أردوغان وترامب، والتي استغرقت نحو ساعة ونصف، وصل السفير الأميركي الجديد إلى أنقرة، وأطلق تصريحًا من المطار يعبر فيه عن رغبته الجامحة في إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، لتصبح "رائعة من جديد".

السفير الجديد، السيد توم باراك، هو رجل أعمال فاحش الثراء وملياردير على غرار ترامب، يبلغ من العمر 78 عامًا، ولكنه يتمتع بحيوية ونشاط ملحوظين، وقدرة فائقة على إيجاد حلول عملية مبتكرة خارج الإطار الدبلوماسي التقليدي المعهود. باراك، وهو مسيحي من أصول لبنانية، واجه في عام 2021 اتهامات تتعلق بممارسة الضغط نيابة عن دولة الإمارات بطرق غير قانونية، ولكنه بُرّئ لاحقًا من هذه التهم. يتمتع بمعرفة واسعة ومتعمقة بقضايا الشرق الأوسط المعقدة، وشارك في بعضها بشكل أو بآخر في الماضي.

وخلال جلسة المصادقة على تعيينه في مجلس الشيوخ، شدد باراك على الأهمية الاستراتيجية التي توليها الولايات المتحدة لتركيا ودورها الحيوي في المنطقة، وحصل على الموافقة بأغلبية 60 صوتًا مقابل 36. ومن خلال تصريحاته الأولية بعد وصوله إلى تركيا، أوضح أن تعيينه يمثل الخطوة الملموسة الأولى في سعي ترامب الحثيث لإعادة العلاقات التركية-الأميركية إلى مستوى "استثنائي" من التعاون والتنسيق الوثيق.

ترتيب الملفات بين الزعيمَين

عقب انتهاء المكالمة الهاتفية، قام كل من أردوغان وترامب بالإعلان عبر حساباتهما الشخصية عن ترتيب أولوياتهما. واتفق الزعيمان على أن الأولوية القصوى تتمثل في تعزيز وتطوير العلاقات المتميزة بين تركيا والولايات المتحدة. وقد وصف أردوغان هذه المحادثة بأنها مثمرة وبناءة، وأشار إلى أنه طرح قضايا التعاون المشترك في الصناعات الدفاعية المتقدمة، بالإضافة إلى الأزمة الأوكرانية الروسية، والوضع المتأزم في كل من سوريا وغزة.

إن التركيز المتزايد على الصناعات الدفاعية له دلالة كبيرة، حيث سبق لإدارة بايدن أن استبعدت تركيا من مشروع تصنيع مقاتلات إف-35 المتطورة، كما أثارت بعض المشاكل والعقبات في ملف مقاتلات إف-16، وفرضت بعض العقوبات على تركيا بموجب قانون كاتسا. وقد قام الرئيس أردوغان بإعادة إثارة هذه القضايا خلال المحادثة.

ومن بين أبرز المشاغل التي تؤرق تركيا أيضًا، التنافس المحتدم على النفوذ في سوريا مع إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بمشكلة "قوات سوريا الديمقراطية/ YPG" التي ترفض إلقاء السلاح أو الاندماج مع النظام القائم في دمشق، وتعتبر أنقرة هذه القوات بمثابة تهديد إستراتيجي خطير على أمنها القومي.

وتبذل إسرائيل قصارى جهدها لإعاقة النفوذ التركي المتنامي في سوريا، حتى لو تطلب الأمر قصف بعض المناطق القريبة من دمشق. والشخص الوحيد القادر على وضع حد لهذه التصرفات، بحسب ما ورد في المقال، هو الرئيس ترامب. بالإضافة إلى ذلك، كانت قضية غزة المأساوية والأزمة الإنسانية المتفاقمة فيها على رأس أولويات أردوغان.

وقد عرض أردوغان هاتين القضيتين على ترامب وطلب منه التدخل العاجل لكبح جماح إسرائيل، ولكن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن ترامب تحدث بنبرة إيجابية "تبعث على الأمل"، ولكنه لم يقدم أي تعهدات واضحة وملموسة.

ترامب يركّز على أوكرانيا

يبدو أن الأولوية القصوى بالنسبة لترامب تتركز على إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية في أقرب وقت ممكن. وربما يسعى من خلال هذا المسعى الجاد إلى الفوز بجائزة نوبل المرموقة للسلام، ولكن الدافع الحقيقي وراء ذلك، وفقًا لما جاء في المقال، هو الثروات المعدنية الهائلة الكامنة في باطن الأراضي الأوكرانية.

ولهذا السبب، كان هذا الملف هو الأكثر حضورًا وتداولًا في حديثه مع أردوغان، وقد صرّح ترامب علنًا بالقول: "أتطلع إلى العمل معكم جنبًا إلى جنب في هذا الشأن"، مما يوضح بصورة جلية ترتيب أولوياته. ومن اللافت للانتباه أنه لم يأتِ على ذكر الأوضاع في سوريا أو غزة في تصريحه.

ويرى ترامب أهمية كبيرة في تعزيز علاقته بأردوغان نظرًا لعلاقاته الوثيقة مع الرئيس الروسي بوتين، وكذلك لعلاقات تركيا المتوازنة مع كل من روسيا وأوكرانيا. ولذلك، فهو يعِد بتحسين العلاقات التركية-الأميركية وتطويرها، ولكنه يتجنّب في الوقت نفسه الالتزام بأي موقف محدد تجاه قضايا حساسة مثل غزة أو سوريا.

ومن الجدير بالذكر أنه سبق لترامب أن أعلن عن عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا، وكان على استعداد تام لقبول النفوذ التركي هناك، ولكن إسرائيل نجحت في تعطيل هذا القرار من خلال نفوذها القوي داخل أروقة الإدارة الأميركية.

الاسم الحقيقي للخلاف بين تركيا والولايات المتحدة: إسرائيل

اتخذت تركيا مؤخرًا خطوة بالغة الأهمية والجرأة، وذلك عبر إعلان أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني PKK عن نيته تفكيك هذا التنظيم والتخلي عن السلاح بشكل نهائي. ومن المتوقع أن يعلن الحزب التزامه الرسمي بهذا القرار التاريخي في مؤتمره القادم.

ولكن فرع الحزب المتواجد في سوريا، والمتمثل في قوات YPG، رفض الانصياع لهذا القرار، كما تجاهل تمامًا الاتفاق المبرم مع دمشق. والسبب الرئيسي والوحيد وراء هذا الرفض القاطع، بحسب ما ورد في النص، هو إسرائيل.

وبناءً على طلب مباشر من الرئيس ترامب، علّقت تركيا عملياتها العسكرية ضد قوات YPG، واشترطت في المقابل أن تتدخل الولايات المتحدة بشكل فوري لمنع إسرائيل من شن أي هجمات على الأراضي السورية. ولكن ترامب لم يتمكن من التأثير على إسرائيل لا في الملف السوري ولا في قضية غزة.

ويبدو أن السياسات الإسرائيلية المتعنتة تشكل العقبة الأكثر خطورة وتأثيرًا على مسار العلاقات التركية-الأميركية. ففيما يتعلق ببقية الملفات والقضايا الأخرى، هناك توافق كبير في وجهات النظر بين البلدين. وترامب لا يرغب على الإطلاق في خسارة تركيا، الدولة التي يبلغ عدد سكانها نحو 85 مليون نسمة، وتمتلك أقوى الجيوش في المنطقة واقتصادًا قويًا ومؤثرًا.

ولكن إسرائيل، التي جعلت من الاحتلال والإرهاب سياسة رسمية للدولة، تفعل كل ما في وسعها لعرقلة أي تحسن محتمل في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.

ويختتم النص بالتأكيد القاطع على أن هذه العلاقة لن تشهد أي تحسن ملموس طالما بقي نتنياهو في السلطة، ويُلمّح إلى أن ترامب ينتظر اللحظة المناسبة للتصرف واتخاذ القرارات الحاسمة في هذا الشأن.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة